الدراسة فى المانيا

تجربتي في دراسة الطب في المانيا

كنت مترددًا جدًا في اختيار عنوان المقال، لأنني سافرت حقًا ست سنوات بتفاصيلها وممراتها وأزقتها وضجيجها، حيث لم أشتت بإيجاز كل هذه التفاصيل بكلمة “تجربة”، والتي من المحتمل أن تثير الأفكار العميقة في كل يوم بشكل كبير، وقد أكون مترددًا أيضًا في تعديل هيكل المقالة نظرًا لأنه يجب أن يغطي منطقة قطبية بين الموضوعية عند الحديث عن نظام التعليم الطبي الجامعي في ألمانيا وبين النفسي والأسباب العاطفية لي كطالب أجنبي على خريطة هذا النظام الغريب، الحديث ليس فقط بداية لعملية التعلم النظري لموضوعات التشريح وعلم الأحياء وعلم الأمراض والطب فقط، بقدر ما هو وصف حياة جديدة بثقافة أخرى، وشعب مختلف، وطريقة حياة مختلفة، ومحاولة للتماهي الروحي والفكري والاجتماعي مع هذا الكون الجديد.

تجربتي في دراسة الطب في المانيا
تجربتي في دراسة الطب في المانيا

تجربتي في دراسة الطب في المانيا 

فيما يلي بعض القراءات الموجزة من زوايا مختلفة من تجربتي لدراسة الطب في المانيا، لا أتحدث عن شموليتها ولا اختلاف رؤيتها مع الكل ومع ذلك، من الضروري أن نكون عادلين وموضوعيين في البداية استحضارًا للواقع، فنحن نسمع أصواتًا كثيرة تمدح وتضخم مجال الجامعة الألمانية كقطعة من الجنة معدة بحلاوتها التعليمية المؤسسية والنظامية للطلاب للدراسة، وهذه الأحزاب غالبا ما تكون منظمات هادفة للربح تسعى إلى نهب جيوب الطلاب وليس لها مصداقية في تقديم الواقع وكفايته للطالب، وتأخذ بعين الاعتبار رغباتهم من جهة وجهله من جهة أخرى. 

كما تم اقتراح البرامج الأكاديمية مهما كانت، حتى وإن كانت غير متوافقة مع إمكانيات الطلاب وبأسعار تصل أحيانًا إلى مستوى التخيل، وعلى العكس من ذلك، يسمع المرء أصداء أخرى مدوية للإحباط، وغالبًا ما تأتي هذه من أفواه في محنة كبيرة بسبب فشل التعلم، وعدم تعلم اللغة أو الاندماج في المجتمع والنظام الألماني، وبالتالي يحاول إسقاط فشل تجربته على النظام وتعميم هذا الفشل على الطلاب الآخرين. 

ومثل أي بداية صعبة، كنت على أعتاب هذه الرحلة الطويلة، آخذًا الخطوات البطيئة لتعلم اللغة الألمانية في سن الثامنة عشرة، ومع زيادة الخبرة والتجربة كانت الحياة في السنوات الماضية شبه فارغة وبعض الهشاشة وبقايا الطفولة التي جعلت صعوبة اللغة مضاعفة وصمة العار والمشقة. 

لن أتحدث عن دورة تعلم اللغة، ولا صعوبة إتقانها وتطبيق قواعدها، ففي مقال قدمه مارتن توين: اللغة الألمانية الفظيعة، الوصف المناسب لصعوبة اللغة وتركيبها المعقد للمتحدثين باللغة الإنجليزية، لكنني أعتبر أنه من غير العدل اعتبار الألمانية أبرد لغة وأقلها حيوية في أوروبا.

كما أشار المتحدثون بها إلى أن ألمانيا إضافة إلى كونها بلد الأدباء والشعراء، حيث يفخر شعبها دائمًا بالقول، فقد تطورت لغتها الألمانية بطريقة علمية وكان شعبها مهتمًا باستغلالها للخدمة العلمية أكثر من في اللغويات، على عكس اللغة الإنجليزية التي تكيّف أهلها لتحديث عالم السرعة.

فقد تم تقسيمها إلى اللغة الإنجليزية قبل شكسبير وبعده لتصل إلى الاعتماد على مرونتها واستيعابها اللغوي للعالم كله، ولعل هذا الركود اللغوي الألماني هو أول شيء يتم ملاحظته والحكم عليه من خلال اللغة السلبية من الكلمة الأولى التي يتم تدريسها في مدارس اللغات، وهي الأحرف الأربعة عشر “Entschuldigun”، قبل اكتشاف الجمال المختلف والدور العلمي المتميز للغة الألمانية خلال مسيرتها الجامعية.

 في محاولة لإبعاد هذه الهواجس بالتواصل اللغوي، وقبل الدخول في الحياة الجامعية، وبعد اجتياز امتحانات اللغة بناءً على القواعد الأولية، كان علي أن أعيش وأغمر نفسي في أبعادها، فالأمر لا يتعلق فقط بالحروف النحوية والمصفوفة، بل بالأحرى مزحة ومزاج وفن. 

فكانت بداية طريقي الأكاديمي مليئا بتطبيق عملي في واحد من أعظم صروح أوربا علما وعمرانا 

مستشفى وجامعة مدينة هايدلبرغ 

وبفضل اندماجي في الحياة المهنية هناك مع المرضى والفريق الطبي، أدركت حقًا أهمية اللغة كوسيلة للتواصل البشري، أي من نحن نفتقر في منتصف حياتنا اليومية بين مواطنينا وأصلنا، خاصة كطبيب، وهي من أكثر المهن تطلبًا على سطح الكرة الأرضية، لأن ثلاثة أرباع عملية تشخيص المرض تكمن في القدرة على استيعاب مشاعر وشكاوى المريض بفضل كفاءة الأداء في أخذ التاريخ المرضي.

تجربتي في العمل كطبيب في ألمانيا 

خلال عملي وجدت قطاعًا صحيًا متطورًا وأنظمة علاج عالية المستوى. 

تم تصنيف قطاع الصحة في ألمانيا مقابل نظرائه في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في عام 2006، حيث بلغ إنفاق 10.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي، رابع أعلى نسبة، لذلك فهو من أغنى أنظمة الرعاية الصحية في العالم، مما يجذب المرضى من جميع أنحاء العالم ومن “الطبقة البرجوازية” الثرية على وجه الخصوص.

وبما أن الشعب الألماني من كبار السن، فلا شك أن تركيز الأمراض المزمنة والرعاية اللطيفة يلعب دورًا مهمًا ويحتل مكانًا كبيرًا.

في البداية، كطبيب في المستقبل اضطررت إلى خلق حالة نفسية متعددة الأوجه والأبعاد قادرة على استيعاب هؤلاء المرضى مع ثقافاتهم المختلفة وأصولهم المعرفية وخلطاتهم الروحية ولغة جميع المرضى هي نفسها ومعرفتهم متوازية.

 عندما تستدير عيونهم المشوشة، تبحث في تعابير وجهك عن الأمل في علاج مرض عضال، وتطلب المساعدة بنظرة تملأ الفراغ الذي لم تتم الإجابة عليه. 

تجربتي في دراسة الطب في ميونخ 

تركت هايدلبرغ وجمالها لبدء معركة الأعمال الورقية والبيروقراطية الألمانية المستشرفة في أبها صورها في نظام التسجيل الجامعي. 

على الرغم من أساليب الإدارة الديناميكية والحداثة والكفاءة، فإن دقة القانون الألماني يحد من هذه المعاملات بدورة من الاستنفاد في جمع الأوراق وتكديسها لتكمل معاملاتك ويمتلئ منزلك وممراته وجدرانه بالأوراق والنسخ.

ولكن حتى بعد المعاناة المؤلمة معها وصلت إلى مقاعد كلية الطب بجامعة بافاريا في ميونيخ، وكان خياري المفضل منذ البداية مقارنة بباقي الجامعات في الولايات المختلفة لعدة أسباب، بدءاً بالتراث والترتيب العالمي للجامعة وجمال الدولة ومستوى وعي شعبها الذي ينعكس في معاملتها المتوازنة للأجانب.

نظام التعليم الطبي في ألمانيا 

يقوم نظام التعليم الطبي الألماني على تقسيم الدراسات الطبية إلى قسمين: 

  • أول عامين في العلوم الطبيعية الأساسية، وتنتهي باختبار الدولة الأول – فيزيكوم.
  • ثم تبدأ سنوات التدريب في الطب الإكلينيكي، وتنتهي بالحالة الثانية، يتبعها العام الأخير من التطبيق العملي Pj-Praktisches Jahr. 
  • يعتمد التدريس كثيرًا على نظام تكديس المعلومات وتجميعها في وقت قصير، وسرعان ما اكتشفت صعوبة الانسجام مع وتيرته السريعة من الفصل الدراسي الأول، لذلك أنا بذلت قصارى جهدي لأدركه من خلال متابعة نفسي باستمرار لطاقاتي وإلهاء عقلي وأفكاري عن أي شيء آخر.
  • لم يكن غريباً، لأن بنية الحياة اليومية الألمانية بشكل عام مبنية على “أسس مؤقتة” تشعر بها أن الدقيقة ركن من أركان هذا الهيكل بمجرد أن تكون ضاع أحجار البناء مستمرة في الانهيار، كما ترى.
  • أنا لا أنكر أن أحدا في خضم هذا المسار التربوي والاجتهاد بضغطه ورتابة لا يحرمه من حرير روحه الشرقية، فتتحول لتلبية مطالب النظام في آلة حديدية بلا روح. 

ختاما، لم تكن الغربة أبدًا وحدتك العددية والاغتراب المادي عن وطنك، بل هي صعوبة محاولة الاندماج مع عالمك الأخلاقي والتعليمي في حشود من عوالم مجهولة. 

أن تعيش شرقيتك بغربهم، وإسلامك بين معتقداتهم الغريبة، وأن تصبح أذواقك محل تساؤلاتهم، حتى تبدأ في بناء نماذج لغوية وقواميس أجنبية، وتنتهي بعد سنوات بازدواجية في البداية وثنائية في البرنامج ومزيج من المعرفة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى